قراءة في المشهد
الروائي بالمغرب العربي
حميد الجراري
الدار البيضاء
المملكة المغربية
ارتهنت
الرواية العربية في المشرق خلال مراحل تبلورها بالموروث السردي العربي القديم.
فمنه انطلقت، وبفضل أساليبه وطرائق سرده تطورت ونضجت. ولم تشذ الرواية العربية
بالمغرب العربي عن هذه القاعدة، ذلك أنها ارتبطت، هي الأخرى، بموروثها الحكائي
الذي شكل بالنسبة للروائي خلفية فنية يفزع إليها كلما جد جديد، أو طرأ خطب ما
استهدف عقيدته، أو هويته، أو حريته.
انطلاقا
من هذا الطرح، يمكننا التأكيد على
مدى الارتباط الوثيق بين نشأة الرواية المغاربية والتراث السردي، ارتباط سيزداد وضوحا خاصة عند توقفنا عند الوضع
الروائي ببلدان المغرب العربي، وتحقيقا لهذا المسعى، ارتأينا أن نتحدث عن هذا
الوضع في كل بلد على حدة، وهو خيار منهجي وإجرائي يجد تبريره في تباين مكانة الجنس
الروائي في السياق الثقافي لهذا البلد أو ذاك.
1-الرواية المغربية:
قبل الحفر في تاريخ الرواية بالمغرب، يقتضي منا المقام
الحديث أولا عن ظروف إنتاج و تلقي هذا الجنس السردي حديث النشأة في ثقافة احتفلت،
ولمدة غير يسيرة، بفن الشعر. إن الحاجة إلى جنس أدبي كالرواية، كتابة، وتلقيا، ونشرا،
ودراسة، وتوثيقا، لا يمكن فهمها من دون الاستناد إلى بعض الموجهات السياسية
والتاريخية والسوسيو- ثقافية التي صدرت عنها. فقد
تعرض المغرب، شأنه شأن باقي الأقطار المغاربية، لحماية سرعان ما استحالت
إلى استعمار نهب باسم اتفاقيات اقتصادية مفروضة وجائرة ثروات البلاد والعباد.
وأمام تأزم الوضع، تبلورت حركات وطنية نادت في البداية بإصلاح وتقويم ما راكمته
قرون الظلام من تخلف على جميع المستويات، وما لبثت هذه الحركة أن تحولت من مجرد
صدى لسلفية جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا، إلى حركة وطنية حقيقية حملت
على عاتقها مشروعا وطنيا عمل، بشكل مباشرأوغيرمباشر، على تهييء المناخ الملائم، نفسيا
وفكريا، لبروز تيار المقاومة، تيار لم يقتصر على المقاومة المسلحة والسياسية والاقتصادية
فحسب، وإنما تعدى ذلك إلى المقاومة الثقافية والفكرية أيضا. وفي هذا الصدد ظهرت محاولات روائية جنينية أخذت على عاتقها
نقد بعض العادات السلبية المنتشرة في المجتمع المغربي، نقد لم يخل من روح التسلية التي
ميزت القصة والرواية إبان المرحلة الكولونيالية...

